فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من لطائف وفوائد المفسرين:

.من لطائف القشيري في الآية:

قال عليه الرحمة:
{وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ (19)}.
ما تُسِرُّون من الإخلاص وملاحظة الأشخاص.. فلا يخفى عليه حسبان، وما تعلنون من الوفاق والشقاق، والإحسان والعصيان، والآيةُ توجِبُ تخويف أَربابِ الزَّلاَّت، وتشريفَ أصحاب الطاعات.
{وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ (20)}.
أخبر أن الأصنامَ لا يَصحُّ منها الخُلقُ لكونها مخلوقةً، ودلَّت الآيةُ على أنَّ من وْجِدَتْ له سِمَةُ الخْلق لا يصِحُّ منه الخْلق، والَخْلق هو الإيجاد؛ ففي الآية دليلٌ على خْلقِ الأعمال.
{أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاء وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ (21)}.
لأنَّ مَنْ لَحِقَهُ وصفُ التكوين لا يصِحُّ منه الإيجاد، وفي التحقيق كُلُّ مَنْ عَلقَ قلبَه بشيءٍ، وتَوَهَّم منه خيرًا أو شرًا فقد أشرك بالله بظنَّه، وإنما التوحيد تجريدُ القلبِ عن حسبان شظيّةٍ من النفي والإثبات من جميع المخلوقين والمخلوقات. اهـ.

.قال محمد بن أبي بكر الرازي:

فإن قيل: ما فائدة قوله تعالى في وصف الأصنام {غير أحياء} بعد قوله: {أموات}.
قلنا: فائدته أنها أموات لا يعقب موتها حياة كالنطف والبيض والأجساد الميتة، وذلك أبلغ في موتها؛ كأنه قال: أموات في الحال غير أحياء في المآل.
الثانى: أنه ليس وصفا لها، بل لعبادها، معناه: وعبادها غير أحياء القلوب.
الثالث: أنه إنما قال: {غير أحياء} ليعلم أنه أراد: أموات في الحال لأنها ستموت، كما في قوله تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ}.
فإن قيل: كيف عاب على الأصنام أو عبادها بأنهم لا يعلمون وقت البعث فقال: {وَمَا يَشْعُرُونَ أَيَّانَ يُبْعَثُونَ} والمؤمنون الموحدون كذلك؟
قلنا: معناه وما تشعر الأصنام متى تبعث عبادها وقت بعثهم لا مفصلا ولا مجملا، لأنهم ينكرون البعث بخلاف الموحدين، فإنهم يشعرون وقت بعثهم مجملا أنه يوم القيامة، وإن لم يشعروه مفصلا. اهـ.

.تفسير الآيات (22- 25):

قوله تعالى: {إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (22) لَا جَرَمَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ (23) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (24) لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذِينَ يُضِلُّونَهُمْ بِغَيْرِ عِلْمٍ أَلَا سَاء مَا يَزِرُونَ (25)}.

.مناسبة الآيات لما قبلها:

قال البقاعي:
ولما كانت أدلة البعث قد ثبت قيامها، واتضحت أعلامها، وعلا منارها، وانتشرت أنوارها، ساق الكلام فيها مساق ما لا خلاف إلا في العلم بوقته مع الاتفاق على أصله، لأنه من لوازم التكليف، ولما اتضح بذلك كله عجز شركائهم، أشار إلى أن منشأ العجز قبول التعدد، إرشادًا إلى برهان التمانع، فقال على طريق الاستئناف لأنه نتيجة ما مضى قطعًا: {إلهكم} أي أيها الخلق كلكم، المعبود بحق {إله} أي متصف بالإلهية على الإطلاق بالنسبة إلى كل أحد وكل زمان وكل مكان {واحد} لا يقبل التعدد- الذي هو مثار النقص- بوجه من الوجوه، لأن التعدد يستلزم إمكان التمانع المستلزم للعجز المستلزم للبعد عن رتبة الإلهية {فالذين} أي فتسبب عن هذا أن الذين {لا يؤمنون بالآخرة} أي دار الجزاء ومحل إظهار الحكم الذي هو ثمرة الملك والعدل الذي هو مدار العظمة {قلوبهم منكرة} أي جاهلة بأنه واحد، لما لها من القسوة لا لاشتباه الأمر- لما تقدم في هود من أن مادة نكر تدور على القوة وهي تستلزم الصلابة فتأتي القسوة {وهم} أي والحال أنهم بسبب إنكار الآخرة {مستكبرون} أي صفتهم الاستكبار عن كل ما لا يوافق أهواءهم وهو طلب الترفع بالامتناع من قبول الحق أنفة من أهله، فصاروا بذلك إلى حد يخفى عليهم معه الشمس كما قال تعالى: {ما كانوا يستطيعون السمع وما كانوا يبصرون} [هود: 20]، وربما دل {مستكبرون} على أن {منكرة} بمعنى جاحدة ما هي به عارفة.
ولما كانوا- لكون الإنسان أكثر شيء جدلًا- ربما أنكروا الاستكبار، وادعوا أنه او ظهر لهم الحق لأنابوا، قال على طريق الجواب لمن كأنه قال: إنهم لا يأبون استكبارًا ما لا يشكون معه في أن هذا كلام الله {لا جرم} أي لا ظن في {أن الله} أي المحيط بكل شيء قدرة وعلمًا {يعلم} علمًا غيبيًا وشهاديًا {ما يسرون} أي يخفون مطلقًا أو بالنسبة إلى بعض الناس.
ولما كان علم السر لا يستلزم علم الجهر- كما مضى غير مرة، قال: {وما يعلنون} فهو أخبر بذلك إلا عن أمر قطعي لا يقبل المراء.
ولما كان في ذلك معنى التهديد، لأن المراد: فليجازينهم على دق ذلك وجهل من غير أن يغفر منه شيئًا- كما يأتي التصريح به في قوله: {ليحملوا أوزارهم كاملة} [النحل: 25]. علل هذا المعنى بقوله: {إنه} أي العالم بالسر والعلن {لا يحب المستكبرين} أي على الحق، كائنًا ما كان.
ولما كان الطعن في القرآن- بما ثبت من عجزهم عن معارضته- دليل الاستكبار قال تعالى عاطفًا على قوله: {قلوبهم منكرة} {وإذا قيل} أي من أيّ قائل كان في أي وقت كان ولو تكرر {لهم} أي لمنكري الآخرة: {ماذا} أي أي شيء {أنزل ربكم} أي المحسن إليكم المدبر لأموركم {قالوا} مكابرين في إنزاله عادّين (ذا) موصولة لا مؤكدة للاستفهام: الذي تعنون أنه منزل ليس منزلًا، بل هو {أساطير الأولين} مع عجزهم بعد تحديهم عن معارضة سورة منه مع علمهم بأنه أفصح الناس وأنه لا يكون من أحد من الناس متقدم أو متأخر قول إلا قالوا أبلغ منه.
ولما كان الكتاب هو الصراط المستقيم المنقذ من الهلاك، وكان قولهم هذا صدًا عنه، فكان- مع كونه ضلالًا- إضلالًا، ومن المعلوم أن من ضل كان عليه إثم ضلاله، ومن أضل كان عليه وزر إضلاله- هذا ما لا يخفى على ذي عقل صحيح، فلما كان هذا بينًا، وكانوا يدعون أنهم أبصر الناس بالخفيات فكيف بالجليات، حسن جدًا قوله: {ليحملوا} فإنهم يعلمون أن هذا لازم لهم قطعًا وإن قالوا بألسنتهم غيره، أو يقال: إنه قيل ذلك لأنه- مع أن الجهل أولى لهم منه- أخف أحوالهم لأنهم إما أن يعلموا أنهم فعلوا بهذا الطعن ما ليس لهم أولًا، فعلى الثاني هم أجهل الناس، وعلى الأول فإما أن يكونوا ظنوا أنهم يؤخذون به أو لا، فعلى الثاني يكون الخلق سدى، وليس هو من الحكمة في شيء، فمعتقد هذا من الجهل بمكان عظيم، وعلى الأول فهم يشاهدون كثيرًا من الظلمة لا يجازون في الدنيا، فيلزمهم في الحكمة اعتقاد الآخرة، ليجازى بها المحسن والمسيء، وهذا أخف الأحوال المتقدمة، ولا يخفى ما في الإقدام على مثله من الغباوة المناقضة لادعائهم أنهم أبصر الناس، فقد آل الأمر إلى التهكم بهم لأنهم نُسبوا إلى علم الجهل خير منه {أوزارهم} التي باشروها لنكوبهم عن الحق تكبرًا لا عن شبهة.
ولما كان الله من فضله يكفر عن أهل الإيمان صغائرهم بالطاعات وباجتناب الكبائر فكان التكفير مشروطًا بالإيمان، وكان هؤلاء قد كفروا بالتكذيب بالكتاب، قال تعالى: {كاملة} لا ينقص منها وزر شيء مما أسروا ولا مما أعلنوا، لخفاء ولا ذهول بتكفير ولا غيره من دون خلل في وصف من الأوصاف، فهو أبلغ من تامة لأن التمام قد يكون في العدة مع خلل في بعض الوصف {يوم القيامة} الذي لا شك فيه ولا محيص عن إتيانه {و} ليحملوا {من} مثل {أوزار} الجهلة الضعفاء {الذين يضلونهم} فيضلون بهم كما بين أولئك الذين ضلوا {بغير علم} يحملون من أوزارهم من غير أن يباشروها لما لهم فيها من التسبب من غير أن ينقص من أوزار الضالين بهم شيء وإن كانوا جهلة، لأن لهم عقولًا هي بحيث تهدي إلى سؤال أهل الذكر، وفطرًا أولى تنفر من الباطل أول ما يعرض علهيا فضيعوها؛ ثم استأنف التنبيه على عظيم ما يحصل لهم من مرتكبهم من الضرر وعيدًا لهم فقال تعالى: {ألا ساء ما يزرون} فأدخل همزة الإنكار على حرف النفي فصار إثباتًا على أبلغ وجه. اهـ.

.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ قُلُوبُهُمْ مُنْكِرَةٌ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ (22)}.
اعلم أنه تعالى لما زيف فيما تقدم طريقة عبدة الأوثان والأصنام وبين فساد مذهبهم بالدلائل القاهرة قال: {إلهكم إله واحد} ثم ذكر تعالى ما لأجله أصر الكفار على القول بالشرك وإنكار التوحيد فقال: {فالذين لاَ يُؤْمِنُونَ بالآخرة قُلُوبُهُم مُّنكِرَةٌ وَهُم مُّسْتَكْبِرُونَ} والمعنى أن الذين يؤمنون بالآخرة ويرغبون في الفوز بالثواب الدائم ويخافون الوقوع في العقاب الدائم إذا سمعوا الدلائل والترغيب والترهيب، خافوا العقاب فتأملوا وتفكروا فيما يسمعونه، فلا جرم ينتفعون بسماع الدلائل، ويرجعون من الباطل إلى الحق، أما الذين لا يؤمنون بالآخرة وينكرونها فإنهم لا يرغبون في حصول الثواب ولا يرهبون من الوقوع في العقاب فيبقون منكرين لكل كلام يخالف قولهم ويستكبرون عن الرجوع إلى قول غيرهم، فلا جرم يبقون مصرين على ما كانوا عليه من الجهل والضلال.
ثم قال تعالى: {لاَ جَرَمَ أَنَّ الله يَعْلَمُ مَا يُسِرُّونَ وَمَا يُعْلِنُونَ} والمعنى أنه تعالى يعلم أن إصرارهم على هذه المذاهب الفاسدة ليس لأجل شبهة تصوروها أو إشكال تخيلوه، بل ذلك لأجل التقليد والنفرة عن الرجوع إلى الحق والشغف بنصرة مذاهب الأسلاف والتكبر والنخوة.
فلهذا قال: {إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المستكبرين} وهذا الوعيد يتناول كل المتكبرين.
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ مَاذَا أَنْزَلَ رَبُّكُمْ قَالُوا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ (24)}.
اعلم أنه تعالى لما بالغ في تقرير دلائل التوحيد وأورد الدلائل القاهرة في إبطال مذاهب عبدة الأصنام، ذكر بعد ذلك شبهات منكري النبوة مع الجواب عنها.
فالشبهة الأولى: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما احتج على صحة نبوة نفسه بكون القرآن معجزة طعنوا في القرآن وقالوا: إنه أساطير الأولين، وليس هو من جنس المعجزات، وفي الآية مسائل:
المسألة الأولى:
اختلفوا في أن ذلك السائل من كان؟ قيل هو كلام بعضهم لبعض، وقيل هو قول المسلمين لهم، وقيل: هو قول المقتسمين الذين اقتسموا مداخل مكة ينفرون عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سألهم وفود الحاج عما أنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم.
المسألة الثانية:
لقائل أن يقول: كيف يكون تنزيل ربهم أساطير الأولين؟
وجوابه من وجوه: الأول: أنه مذكور على سبيل السخرية كقوله تعالى عنهم: {إِنَّ رَسُولَكُمُ الذي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لمجنون} [الشعراء: 27]، وقوله: {يا أَيُّهَا الذي نُزّلَ عَلَيْهِ الذكر إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ} [الحجر: 6]، وقوله: {يأَيُّهَ الساحر ادع لَنَا رَبَّكَ} [الزخرف: 49].
الثاني: أن يكون التقدير هذا الذي تذكرون أنه منزل من ربكم هو أساطير الأولين.
الثالث: يحتمل أن يكون المراد أن هذا القرآن بتقدير أن يكون مما أنزله الله لكنه أساطير الأولين ليس فيه شيء من العلوم والفصاحة والدقائق والحقائق.
واعلم أنه تعالى لما حكى شبههم قال: {لِيَحْمِلُواْ أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ القيامة} اللام في ليحملوا لام العاقبة، وذلك أنهم لم يصفوا القرآن بكونه أساطير الأولين لأجل أن يحملوا الأوزار، ولكن لما كانت عاقبتهم ذلك حسن ذكر هذه اللام كقوله: {فالتقطه ءالُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا إِنَّ} [القصص: 8]، وقوله: {كَامِلَةٌ} معناه: أنه تعالى لا يخفف من عقابهم شيئًا، بل يوصل ذلك العقاب بكليته إليهم، وأقول: هذا يدل على أنه تعالى قد يسقط بعض العقاب عن المؤمنين، إذ لو كان هذا المعنى حاصلًا في حق الكل، لم يكن لتخصيص هؤلاء الكفار بهذا التكميل معنى، وقوله: {وَمِنْ أَوْزَارِ الذين يُضِلُّونَهُمْ} معناه: ويحصل للرؤساء مثل أوزار الأتباع، والسبب فيه ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: «أيما داع دعا إلى الهدى فاتبع كان له مثل أجر من اتبعه لا ينقص من أجورهم شيء وأيما داع دعا إلى ضلالة فاتبع كان عليه مثل وزر من اتبعه لا ينقص من آثامهم شيء» واعلم أنه ليس المراد منه أنه تعالى يوصل العقاب الذي يستحقه الأتباع إلى الرؤساء، وذلك لأن هذا لا يليق بعدل الله تعالى، والدليل عليه قوله تعالى: {وَأَن لَّيْسَ للإنسان إِلاَّ مَا سعى}.
[النجم: 39]، وقوله: {وَلاَ تَزِرُ وازرة وِزْرَ أخرى} [الإسراء: 15]. بل المعنى: أن الرئيس إذا وضع سنة قبيحة عظم عقابه، حتى أن ذلك العقاب يكون مساويًا لكل ما يستحقه كل واحد من الأتباع، قال الواحدي: ولفظه: {مِنْ} في قوله: {وَمِنْ أَوْزَارِ الذين يُضِلُّونَهُمْ} ليست للتبعيض، لأنها لو كانت للتبعيض لخف عن الأتباع بعض أوزارهم، وذلك غير جائز، لقوله عليه السلام: «من غير أن ينقص من أوزارهم شيء» ولكنها للجنس، أي ليحملوا من جنس أوزار الأتباع.
وقوله: {بِغَيْرِ عِلْمٍ} يعني أن هؤلاء الرؤساء إنما يقدمون على هذا الإضلال جهلًا منهم بما يستحقونه من العذاب الشديد على ذلك الإضلال ثم إنه تعالى ختم الكلام بقوله: {أَلاَ سَاء مَا يَزِرُونَ} والمقصود المبالغة في الزجر.
فإن قيل: إنه تعالى لما حكى عن القوم هذه الشبهة لم يجب عنها، بل اقتصر على محض الوعيد؛ فما السبب فيه؟
قلنا: السبب فيه أنه تعالى بين كون القرآن معجزًا بطريقين: الأول: أنه صلى الله عليه وسلم تحداهم بكل القرآن، وتارة بعشر سور، وتارة بسورة واحدة، وتارة بحديث واحد، وعجزوا عن المعارضة، وذلك يدل على كونه معجزًا.
الثاني: أنه تعالى حكى هذه الشبهة بعينها في آية أخرى وهو قوله: {اكتتبها فَهِىَ تملى عَلَيْهِ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الفرقان: 5]، وأبطلها بقوله: {قُلْ أَنزَلَهُ الذي يَعْلَمُ السر في السموات والأرض} [الفرقان: 6]، ومعناه أن القرآن مشتمل على الأخبار عن الغيوب، وذلك لا يتأتى إلا ممن يكون عالمًا بأسرار السموات والأرض، فلما ثبت كون القرآن معجزًا بهذين الطريقين، وتكرر شرح هذين الطريقين مرارًا كثيرة لا جرم اقتصر في هذه الآية على مجرد الوعيد ولم يذكر ما يجري مجرى الجواب عن هذه الشبهة، والله أعلم. اهـ.